موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

حسن البواب تعتقد العدوية فيها أنها ذرية الشيخ عدي ، وتبالغ في إكرامهم حتى أنهم ليقدمون بناتهم إلى من قدم عليهم من ذرية الشيخ حسن فيخلو بهن ويقضي الوطر ويرى أبوها وأمها أن ذلك قربة من القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى.

فلما شنع ذلك من فعلهم انتدب لهم رجل من فقهاء العجم يتمذهب بمذهب الشافعي ـ رح ـ ويعرف بجلال الدين محمد بن عز الدين يوسف الحلواني ، ودعا لحربهم فاستجاب له الأمير عز الدين البختي صاحب جزيرة ابن عمر ، والأمير توكل الكردي صاحب شرانس (١) ، وجمعوا عليهم كثيرا من الأكراد السندية ، وأمدهم صاحب حصن كيفا (٢) بعسكر وأتاهم الأمير شمس الدين محمد الجردقيلي ، وساروا في جمع كثير إلى جبل هكار فقتلوا جماعات كثيرة من أتباع الشيخ عدي وصاروا في هذا الوقت يعرفون بين الأكراد ب (الصحبتية) ، وأسروا منهم خلائق حتى أتوا الشرالق (٣) وهي القرية التي فيها ضريح الشيخ عدي فهدموا القبة المبنية عليه ونبشوا قبره وأخرجوا عظامه فأحرقوها بحضرة من أسروه من (الصحبتية) وقالوا لهم «انظروا كيف حرقنا من ادعيتم فيه ، ولم يقدر أن يدفعنا» ، ثم عادوا بنهب كثير ، فاجتمعت الصحبتية بعد ذلك وأعادوا بناء القبة ، وأقاموا بها على عادتهم ، وصاروا عدوا لكل فقيه ، يقتلونه حيث قدروا عليه ، ولو شاء ربك ما فعلوه». ا ه.

هذا ما جاء في سير الملوك للمقريزي ونقله الصديق الفاضل

__________________

(١) وفي نسخة شرانيس.

(٢) قال مصطفى جواد : صاحب حصن كيفا الأيوبي إذ ذاك هو الملك العادل سليمان أبو المفاخر فخر الدين ابن الملك الكامل شهاب الدين غازي. توفي سنة ٨٢٧ ه‍.

(٣) وفي نسخة (الشرانق).

٤١

مصطفى جواد من المخطوط المرقوم ١٧٢٧ من دار الكتب الأهلية من ظهر الورقة ٢٨٧ إلى وجه الورقة ٢٨٨ وصحح بعض الكلمات من النسخة رقم ١٧٢٨ وبين اختلاف الروايات وعلق عليه التعليقات المذكورة. فله الفضل في إسداء ما قام به من مساعدة.

وفيات

١ ـ الفيروز آبادي :

من أشهر لغويي العرب ، نال مكانة لم ينلها إلا صاحب الصحاح ، غطت شهرته على غيره ، فكان من أكابر أئمة اللغة ، ويرتقي نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه ، وهو مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي اللغوي الشافعي. قال ابن حجر : لم أزل أسمع أن أبا إسحاق لم يعقب. ولد سنة ٧٢٧ ه‍ ـ ١٣٢٧ م بكازرون ... وهناك بيان تحصيله وتجولاته ، ولم يتعرض لدراسته ببغداد ، ولا إلى أساتذته هناك ، وعدد مصنفاته وبين أن السلطان أويس بالغ في إكرامه ... مات ليلة ٢٠ شوال (١).

عدد صاحب معجم المطبوعات مؤلفاته المطبوعة (٢) ، ولا يزال قسم من مؤلفاته لم يطبع بعد ، وترجمه مؤرخون كثيرون ، ومنهم من أفرد له ترجمة خاصة ... وكتابه (القاموس المحيط) لم ينل مكانته إلى اليوم كتاب في اللغة ، ترجم إلى التركية مشروحا وموسعا باسم أوقيانوس ، وإلى الفارسية ... وعلق عليه أدباء ولغويون عديدون تعليقات مهمة. والجاسوس على القاموس لأحمد فارس وتصحيح القاموس لأحمد باشا تيمور من آخرها ، وعندي رسالة مخطوطة في (طب القاموس) تذكر

__________________

(١) أنباء الغمر.

(٢) معجم المطبوعات : فيروز آبادي.

٤٢

الألفاظ الطبية فيه ، ومن أعظم شروح القاموس (تاج العروس) وهو مطبوع.

ومن المؤسف أن لا يشار في هامش القاموس أثناء الطبع إلى التعليقات والمراجعات معه ، أو الرد عليه وكان من السهل الاستفادة منها بتعليقها على نفس الكتاب أثناء طبعه ، ولا لوحظ فيه ما استدرك عليه واقتضى إضافته إلى مادته وكان الأولى مراعاة الرغبة في قلب ترتيبته إلى ما هو معهود اليوم بذكر الحرف الأول فالثاني من الكلمة دون اعتبار الآخر أصلا ... وإنما روعي التزام شكله ... ولم تقابل نسخه مع النسخ القديمة والمتقنة في مختلف الأقطار لتتضاعف الاستفادة منه فيشار إلى الصحيح.

كان قد انتقل المترجم من كازرون موطن ولادته إلى شيراز وهو ابن ثمان ، ثم سار إلى العراق فدخل واسطا وأخذ عن الشرف عبد الله بن بكتاش قاضي بغداد ومدرس النظامية بها ، وولي تداريس وتصادير ، وكثرت فضائله (١) ...

وقد مر في الجلد السابق بيان مدة مكثه (٧٤٥ ـ ٧٥٥ ه‍ (وذكر أساتذته في بغداد ... (٢) ثم دخل زبيد (اليمن) سنة ٧٩٦ ه‍ ـ ١٣٩٤ م. فأودع إليه قضاء اليمن كله في ذي الحجة سنة ٧٩٧ ه‍ ـ ١٣٩٥ م ، واستمر هناك مدة عشرين سنة. ولم يدخل بلدا إلا أكرمه متوليه وبالغ في تعظيمه مثل شاه منصور بن شاه شجاع من (آل مظفر) ، والأشرف صاحب مصر ، وأويس سلطان بغداد ، وتمرلنك وغيرهم ...

وكان مولعا في اقتناء الكتب حتى نقل عنه أنه قال اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا ، وكان لا يسافر إلا وفي صحبته منها أحمال ،

__________________

(١) الضوء اللامع ج ١٠ ص ٧٩ وفيه تفصيل زائد.

(٢) راجع : تاريخ العراق ج ٢.

٤٣

يخرجها في كل منزل وينظر فيها ، لكنه كان كثير التبذير ، فإذا أملق باع منها ، وإذا يسر اشترى غيرها ...

والملحوظ أنه حصل على المعرفة الكاملة ، والثقافة العالية في بغداد ، وكانت مدة إقامته فيها نحو عشر سنوات وهي كافية لأن يكون كاملا ... والأخذ لا يحتاج إلى مثل هذه المدة ، وبعد خروجه من بغداد ظهرت مواهبه ، وذاع علمه ... نشر ما عرف ، وأذاع ما علم ، وتوسع في المعرفة ...

وترجمته مبسوطة في مدونات عديدة.

حوادث سنة ٨١٨ ه‍ ـ ١٤١٥ م

محمد شاه صاحب بغداد :

في ربيع الآخر من هذه السنة توجه محمد شاه بن قرا يوسف صاحب بغداد إلى سيس فحاصرها (١). وهنا نرى الشقة بعيدة ، والتواريخ لم تفصل هذا الحادث. وسيس من مضافات أدنة وكانت بلاد سيس تعرف بهذا البلد وهي أرمنية الصغرى ... وفصل القول عنها في تاريخ جهانكشاي جويني في حواشي الأستاذ القزويني (٢).

إمرة العرب :

في هذه السنة صرف حسين بن نعير عن إمرة العرب ، واستقر حديثة ابن سيف في إمرة آل فضل ، فوقع بينهما حرب أدى إلى أن يغلب حديثة خصمه ، وقتل الأمير حسين في المعركة ... وفي شعبان هذه السنة اصلح سلطان مصر بين حديثة وبين غنام بن زامل وحلفهما على الطاعة (٣).

__________________

(١) أنباء الغمر.

(٢) جهانكشاي جويني ج ٣ ص ٤٨٦ في الهامش.

(٣) الضوء اللامع ج ٣ ص ١٥٩ والأنباء.

٤٤

وهؤلاء أصحاب نفوذ كبير على العشائر الطائية في العراق ولهم سلطة مباشرة على عشائر سورية ... وقد ذكرنا أمراء هذه القبيلة وصلتهم بالعراق (١) ...

حوادث سنة ٨١٩ ه‍ ـ ١٤١٦ م

قتلة السلطان محمود :

في هذه السنة قتل السلطان محمود بن شاه ولد بتدبير من دوندي سلطان فوليت الإدارة مستقلة في أنحاء تستر ... وكان أقيم معها في السلطنة ودامت مدته نحو خمس سنوات ، وقد مرت الإشارة إلى ذلك.

الطاعون :

في هذه السنة انتشر الطاعون في العراق ، ولم تسلم منه حتى الموصل ، وكان عاما في بلاد كثيرة كفارس ومصر ... وتواتر في الأطراف ، وكادت البلدان تخلو من أهليها ... فجر على القطر ويلات ، كما أن الحروب المتواترة لم يهدأ ثائرها (٢) ...

وفيات

١ ـ الزين الواسطي :

هو علي بن محمد بن يعيش المعروف بالزين الواسطي ، كان قد ولد في شعبان سنة ٧٥٥ ه‍ ـ ١٣٥٤ م ، وسمع على البدر عبد الجبار بن المجد محدث واسط العراق وفقيهها ، وعلى العلاء بن التقي الواسطي ،

__________________

(١) تاريخ العراق ج ٢.

(٢) عمدة البيان في تصاريف الزمان لياسين العمري ، عندي نسخة مخطوطة منه كتبت سنة ١٢١٨ ه‍ وكنت ظننتها الدر المكنون لأنها كتب على غلافها الدر المكنون.

٤٥

وأبي العباس أحمد بن معمر البكري القرشي ... ثم طوف في البلاد ، ووصفه الطاووسي بالعالم الزاهد. توفي بعد سنة ٨١٩ ه‍ (١).

حوادث سنة ٨٢٠ ه‍ ـ ١٤١٧ م

البصرة ـ واسط :

جاء في تاريخ الجنابي أن دوندي سلطان ملكت في هذه السنة البصرة ، انتزعتها من مانع أمير العرب بعد حروب ... وكان مانع هذا قد انتزعها من الجلايرية في إمارة السلطان أحمد بن أويس ، ولكن قوي أمر دوندي ، فانضم إليها عموم عسكر السلطان أحمد ، ثم ملكت واسطا ، وصار يخطب لها في مملكتها ، وتضرب السكة باسمها إلى أن ماتت سنة ٨٢٢ ه‍ ...

وفي المنهل الصافي : «بعد أن فرت تندو (دوندي) من بغداد أقامت بششتر فأقيم معها في السلطنة السلطان محمود بن شاه ولد مدة ، فدبرت عليه تندو فقتلته بعد خمس سنين (٢) ، وانفردت بمملكة ششتر ، ثم ملكت البصرة بعد حروب ، وماتت بعد انفرادها بثلاث سنين. فأقيم ابنها أويس بن شاه ولد مقامها» والنصوص لا تعين إمارة البصرة من أيام السلطان أحمد إلى اليوم ، ولكننا نرى الأعلام متقاربة مع أسماء أمراء المنتفق ، وأن مانعا المذكور هو مانع الأول أمير المنتفق على أقوى احتمال ...

وجاء في صبح الأعشى ترتيب المكاتبات لأمراء العرب في الأحساء والبصرة ... نقل ذلك عن (التثقيف) ولم يعين أمراء البصرة ، ولا أسماء حكام البحرين ... (٣) ولكن الشرفاء لم ينفكوا عن العراق من

__________________

(١) الضوء اللامع ج ٦ ص ٢٧.

(٢) هذا يوافق ما جاء في الجنابي من أنه قتل سنة ٨١٩ ه‍.

(٣) صبح الأعشى ج ٧ ص ٣٧٠.

٤٦

أيام الجلايرية ، ولا تزال البصرة بأيديهم حتى انتزعتها دوندي ، ثم عادت الإدارة ، وكانت بين قوة وضعف ...

حوادث سنة ٨٢١ ه‍ ـ ١٤١٨ م

قرا يوسف في بغداد :

بلغ قرا يوسف أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله ، وعاد إلى تبريز (١). وفي أنباء الغمر «أشيع أن قرا يوسف حاصر ولده محمد شاه ببغداد واستصفى أمواله ، ثم تبين كذب ذلك وأن قرا يوسف كان قد تهيأ للمسير إلى البلاد الشامية فشغله عنها حركة شاه رخ بن تيمور (٢). لم يتردد المؤرخون في نقل الخبر وأن صاحب الأنباء أيد وقوعه في موطن آخر في حوادث سنة ٨٢٣ ه‍ وغالب ما نرى أحوالا كهذه تتأتى من جهة الضنك الذي يصيب الأهلين ، فلا يعودون يؤدون للحكومة ما تطلب من ضرائب أو ما تريد من أموال فيعتذر الوالي لما يرى من سوء الحالة فيظن أن ذلك عصيان منه ...

أقطاب الحروفية ـ نسيمي

قتلة نسيمي البغدادي :

غالب المؤرخين ذكروا أن نسيمي الشاعر صاحب النحلة المعروفة ب (الحروفية) قد قتل في هذه السنة ، وبعضهم بين أنه قتل سنة ٨٣٧ ه‍ ، وكان من دعاة الأبطان ومن صناديد الحروفية ، جلب الأنظار إليه ، وصار يعد أعظم خلف لفضل الله الحروفي.

__________________

(١) الشذرات ج ٧ ص ١٦٢ وجامع الدول.

(٢) أنباء الغمر ج ٢.

٤٧

زاد خطره ، وذاع صيته ، وكثر دعاته ، وصار يخشى من توسع نحلته ، وتدعمها النزعة الشعرية ، والإذاعة القوية ... مما دعا لمحاكمته ، وتحقق خروجه عن عقائد المسلمين بما بثه من غلو ...

كان قد مر الكلام على أستاذه فضل الله (١) وأما هو فقد اشتهر أكثر ، ونال مكانة رفيعة بين القائلين بهذه الطريقة ، وحصل على ما لم يحصل عليه سابقه بل كاد يقضى على نحلته لولاه. فقد جاهر بما تخوف منه فضل الله ، وديوان شعره انتشر بين رجال هذه الطائفة انتشارا كبيرا وصار يتغنى به فأثر ببلاغته وأسلوبه الأدبي السحار ... وله ديوان تركي لا يقل بلاغة عن الشعر الفارسي ، وأما شعره العربي فليس بشيء بالنظر لبلاغته الفارسية والتركية ...

قال في الشذرات : «قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب وهو (شيخ الحروفية) سكن حلب ، وكثر أتباعه ، وشاعت هناك بدعته ، فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله ، فضربت عنقه ، وسلخ جلده ، وصلب» ا ه (٢).

وزاد ابن حجر : «... وقع لبعض أتباعه كائنة في سلطنة الأشرف ، وأحرقت كتابا كان معه ، فيه هذا الاعتقاد ، وأردت تأديبه ، فحلف أنه لا يعرف ما فيه ، وأنه وجد مع شخص ، فظن أن فيه شيئا من الرقائق ، فأطلق بعد أن تبرأ مما في الكتاب وتشهد ، والتزم أحكام الإسلام» ا ه (٣).

__________________

(١) تاريخ العراق ج ٢ وترجمته في المنهل الصافي ، وفي رياض العارفين المسمى بتذكرة المحققين ، وفي تاريخ إيران لعبد الله الرازي ، كتبه باللغة الإيرانية طبع سنة ١٣١٧ هجرية شمسية ص ٥١٢.

(٢) الشذرات ج ٧ ص ١٤٤.

(٣) مجموعة خطية في مكتبة ولي أفندي برقم ٨٨١ منقولة عن الأنباء لابن حجر ...

٤٨

والمترجم بين محب مفرط ، وكاره مبغض ، ولا يزال الشك حائما حول نسبته ونشأته وحقيقة اسمه ووطنه كما وقع اللبس في أمر معتقده ، والغالب أن العجم يدعون أنه منهم ، ويعدونه من أكابر رجال الصوفية ومقدميهم ، وينددون بمن يقع فيه ، ويحتجون على قتله ، ويعتذرون لما صدر عنه من رباعيات وقصائد ولا ينكرونها ... وأصله من بغداد ، من تلامذة فضل الله الحروفي ، وهو من التركمان المنبثين في العراق وأطرافها ...

كان من الباطنية ، وآثاره تدل على ذلك ، ولم يتغير فيه رأينا. والمدح والإطراء مبناهما الدعوة له ، والدعاية لفكرته ، أو التنويه بقوة أسلوبه في اللغتين التركية والفارسية ... يحاول صرف معاني القرآن عما يفهم لغة ليحول النظم إلى مزايا الحروف ، كأنه كتاب جفر ، أو طلسمات وألغاز ... مما لا يحتمله منطوق الآيات ، ولا يدعمه دليل التأويل ...

وهؤلاء يتحاملون على علماء الشريعة ، وينبزونهم ب (أهل الرسوم) ، و (أهل الظاهر) ، و (القشرية) ... وشنعوا على (ميران شاه بن تيمور لنك) بسبب قتله (فضل الله الحروفي) ونعتوه ب (ماران شاه) ، وب (الدجال) (١).

قال في (تذكرة المحققين) الموسومة (برياض العارفين) (٢) :

«نسيمي الشيرازي اسمه السيد عماد الدين ، من السادة رفيعي الدرجات ، ومن محققي العصر ، أخذ عن السيد شاه فضل ، المتخلص ب (نعيمي) ، تخرج عليه ، واستشهد سنة ٨٣٧ ه‍. وعلى قول بعضهم إنه قتل في حلب ، وآخرون قالوا إن مرقده خارج زرقان من شيراز ، شوهد

__________________

(١) تاريخ إيران : عبد الله الرازي ص ٥١٣.

(٢) فارسي تأليف رضا قلي خان الملقب ب «أمير الشعراء» والمتخلص ب «هدايه» وترجمته في مجمع الفصحاء طبعة إيران على الحجر سنة ١٣٠٥ ه‍.

٤٩

ديوانه في ثلاثة آلاف بيت» ا ه (١).

وأورد بعض غزلياته ورباعياته ... وفيها الغالية ، فلم يبال بها وينتصر له ، فكأنه لا يفهم معناها ... وهكذا ترجم أستاذه فضل الله ، وعده عارفا محققا وكشافا للمعضلات ...

نعت نسيمي ب (البغدادي) في غالب المؤلفات ، ومنهم من قال نسيم قرية ببغداد نسب إليها وليس بصواب والمعروف أنه لازم فضل لله الحروفي ببغداد ...

والمتصوفة الغلاة يعدونه من أساطينهم ، والمسلمون يقولون بغلوه ... وسبب قتله مجاهرته بما يخالف النصوص القطعية ... والرأي العام كان قد تهيج على أمثال هؤلاء ، فلا يكتفي منهم بغير القتل ...

اعتمدوا في تقوية نحلتهم على الباطنية وهم منهم ليخرجوا بالإسلام عن مزاياه التبليغية ، وفككوا نظمه ، واعتبروه حروفا للقضاء على المقصود من معانيه بهذه البدعة وقد سبق أن تكلمت على ذلك ... (٢) فطاردهم المسلمون ، وحكموا بكفرهم ...

وهؤلاء توغلوا ، فأذاعوا نحلتهم من طريق التصوف ، وتزيوا بأزياء مختلفة للتعمية ، وهم من أصحاب (وحدة الوجود) ، و (الاتحاد) ، و (الحلول) ، و (التناسخ) ... أو قل عقيدتهم (عبادة أشخاص) ، والبكتاشية من أكبر المعتنقين لمقالة الحروفية ، وكانوا أيام بكتاش ولي لا يعرفونها ، وإنما أدخلها علي الأعلى من تلامذة فضل الله الحروفي.

رأينا في الكتب المعاصرة إطراء زائدا لأرباب هذه النحلة ، وفيها النقل عينا من رياض العارفين لترجمة نسيمي وفضل الله ، وفي هذه

__________________

(١) راجع ص ٢٣٥ وص ١٥٦ من رياض العارفين ، وفي الوفاة نظر.

(٢) تاريخ العراق ج ٢.

٥٠

الحالة لا يسعنا أن نعد اطراء مثل هؤلاء دعوة جديدة ، ولا طريقة مبتكرة في التوجيه إلى هذه النحلة ، ولكن ذلك قلة معرفة ، والتتبع العميق يؤدي بنا حتما إلى أن رجال هذه الدعوة غلاة ، وأنهم لا تزال عقائدهم مبثوثة بين ظهرانينا ...

ولا يعنينا أن يعتقد المرء ما شاء ، ولكن الذي نلاحظه من شؤون هؤلاء أن ندون الصحيح من تاريخ العقيدة ، وأن نعلم ما تكتموا به ، فلا تهمل الوجهة التاريخية ، وأثرها ...

ونسيمي لا يشق له غبار في الآداب التركية والفارسية ، تداولت الألسن ديوانه ومقطوعات شعره ، وغالب العجم والترك من أهل نحلته القائلين بالحروفية يحفظون له الكثير والحق هو شاعر فحل ... ، أعلن ما لم يستطع أن يبوح به غيره ، فأبدى شجاعة أدبية لما وهب من شعر ...

رأينا فضل الله قد خذل ، وكادت طريقته تموت لو لا أن تداركها نسيمي بنظمه وشعره الرقيق ، فجددها وأحياها ... جعل الفارسية والتركية واسطتي تبليغه فمال إليه المتصوفة ... وما زال يذيع آراءه حتى عادت خطرا ، صار يخشى منها أن تحدث اضطرابا وثورة ، أو انقلابا في العقائد بحيث يصبح الإسلام لا علاقة له بأصله ، ولا بتعاليم مشرعه ... وتلخص نحلة هؤلاء بعبادة الأشخاص بل ترجع إلى ما هو أوسع كالاعتقاد بأن المادة هي الأول والآخر ... فاستكبر القوم عمله ، وصار لا يطاق تبليغ فكرته والشعر أعلق بالذهن ، فكان أشد وقعا ... ولم يكن الناس في عقلية واحدة من خداع الكثيرين مما جلب النقمة عليه ...

نقرأ الشعر البليغ ، فنطرب له وإن كان خلاف ما نحن عليه من سلوك ... وهذا أمر وقتي ، ورغبة آنية ، أو لذة في الأسلوب ، كما ترتاح للغزل ، أو الهزل ، أو وصف الخمرة ولا تلبث أن تزول ذكرى ذلك ...

٥١

ولكن هذا صادر من صاحب نحلة ، يكرر دوما ما أراد ، ويراعي أساليب متنوعة ... بقصد استهواء السامع واستدراجه. والمقياس العلمي يختلف عن طريقة التلقين والتعليم ...

وقد ترجمه أعوانه وأرباب نحلته قائلين :

«هو المضحي المجازف في مضمار العشق ، والشيخ المقلد ، والفدائي العظيم في كعبة الحب ، أسوة السادات ، السيد نسيمي قدس سره العزيز ، كان من السادة الصحيحي النسب ، ومن الأولياء الذين لا ريب في ولايتهم ، ويلقب بنسيمي لأنه ينتسب إلى ناحية نسيم في الديار البغدادية ، وأصل اسمه عماد الدين ، وهو من طائفة الملامية (١) ، من رؤسائهم ، والهادين لطريقتهم ، اشتهر بشعره التركي في أول أمره ببلاد الروم ، وذهب إلى هناك أيام السلطان مراد خان الغازي ، وله ديوان في كل لغة من اللغات الثلاث ، وكان صاحب عرفان جم في أسرار الله يغبط عليه ، وهو من خلفاء فضل الله الحروفي ، ومن أكابر مريديه. والاثنان جعلا سلوكهما سائرا على طريقة الحروف ، ويريان الاثنين والثلاثين حرفا متمثلة في شكل الإنسان وهذا المطلع مما يشير إلى الحروف :

يوزك مصحفدر أي روح مصور

تعالى شأنه الله أكبر (٢)

وجاء في مناقب الواصلين أن السيد نسيمي لم يكن حروفيا ، وإنما كان عالما بها وواقفا على أسرارها ، ولم يكن في أوائل أمره عارفا بمقامه ، ولا درى أنه وصل إلى توحيد الذات ، ولا علم أنه ممن فني في الله ...!

__________________

(١) طريقة تصوف ، فيها مؤلفات عديدة ...

(٢) أيها الروح المصور وجهك هو المصحف تعالى شأنه ، الله أكبر.

٥٢

وفي آخر عمره وصل إلى عالم الغيب ، وأدركته الجذبة ، واتصلت به أنوارها فلم يعد يدرك نفسه بل غاب عنها مدة ، وتجرع شربة العشق ، فلم تسغها حوصلته فأفشى الأسرار الواجبة الكتم ، وأظهرها ... ذلك ما دعا أن يقول :

هجوم ايتسه محبة بحر آسا

صيغارمي برداغه أمواج دريا (١)

وهذا البيت من أبيات كانت قد دعت إلى قتله ... ويصطلح على هذا عند المشايخ ب (قرب الفرائض) ، وهو المقام الذي ينسى المرء فيه نفسه ، ويرى بعين معشوقه وتمثل في الخارج بقطرة تصل إلى البحر فتضمحل فيه ... ومن نظر إلى ظاهر ذلك رآه كفرا ولكن أرباب السرائر يعدونه إيمانا كاملا ، وأهل الظاهر يسمونه كفرا أو (مقام الكفر) أو القريب منه.

فإذا كانت هذه الجذبة كاذبة ـ والعياذ بالله ـ ولم يكن قد وصل المرء إليها ، بل قلد فيها ، وقالها بلا تحقيق فهو كافر ...

أي مقلد أهل تحقيقه ايرش تقليدي قو

أهل تقليدك بلورسن أولماز إيمانيصحيح(٢)

وقد نهاه أخوه (شاه خندان) ، وكان من المشفقين عليه ، ودعاه أن لا يفشي السر فأجابه :

درياي محيط جوشه كلدي

كونيله مكان خروشه كلدي

__________________

(١) إذا هاج بحر الحب أو العشق على المرء أو فاض فهل تسع أمواجه الكأس ...!؟ يريد. إذا امتلأ القلب فاض على اللسان.

(٢) أيها المقلد أمعن في طريق أهل التحقيق ، ودع نهج التقليد ألا تعلم أن إيمان أهل التقليد غير صحيح ...

٥٣

سرازل أولدي آشكارا

عارف نحه أيلسون مدارا

يرگوگ آراسي حق اولدي مطلق

سويلردف وچنك وني أنا الحق (١)

ومن ثم أفتى أئمة العرب بقتله لمخالفة كلامه للشرع الشريف ... وسلخوا جلده ، وكانوا قد نظروا إلى ظاهر كلامه فطبقوا عليه أحكام الشريعة ... وكان مطمح نظرهم ظواهره ، فلم يلتفتوا إلى السرائر ...! ومن أراد الاطلاع على أسرار سلوك هذا الرجل فلينظر إلى ما دونه في مقطوعاته الشعرية ، ورباعياته ، ولينعم فيها البصر ، ليقف على معارفه وعوارفه ، وحقيقة سلوكه ، وإلا فالمرء إذا كان بعيدا عن حقيقة ذلك فمن الملحوظ أنه يحمل صوابه على الخطأ ، ويقع الناس في ثلبه وقدحه ، وتوجه عليه اللائمة ويرمى بسوء الظن ... وعلى كل حال إن الظاهر دليل الباطن ، واللسان ترجمان القلب» ا ه.

وهذه الترجمة كتبت باللغة التركية نقلتها من مجموعة مخطوطة عندي ، مملوءة بأنواع الغلو ، له ولأمثاله ، وهناك جملة أشعار فارسية. وأوسع ترجمة رأيناها له في (عثمانلي مؤلفلري) ، وسماه السيد عمر عماد الدين المعروف بنسيمي ، ونقل عن عاشق چلبي أنه تركي من آمد ، قال وكان من العشاق ، وآثاره الشعرية التركية لها قيمتها الأدبية ، فإنه قد كسا اللغة التركية ثوبا قشيبا ... وديوانه فيها مطبوع ، وله ديوان فارسي (عندي نسخ خطية منه) ، والنسخة الخطية الكاملة في المكتبة العامة ببايزيد في استانبول. ومن ديوانه نسخة بخط سلطان أحمد الهروي نفيسة

__________________

(١) يقول : اضطرب البحر المحيط ، فارتبك الكون والمكان ، وظهر السر الأزلي ، وكم يداري العارف ... صار ما بين السماء والأرض هو الحق ، وقال الدف والمعزف والمزمار أنا الحق.

٥٤

محفوظة في مكتبة أيا صوفيا ، وفي هذه أكثر أشعاره الفارسية ، ويقال إن نسخة من ديوانه التركي المكتوب بخطه موجودة في (مكتبة جنة زاده) في أرزن الروم.

كان يميل إلى شطحيات المتصوفة ، ومن جراء ذلك صلب في حلب سنة ٨٢٠ ه‍ ومن أشعاره الفارسية يستبان أنه سلك نهج فضل الله الحروفي مما دعا إلى القيل والقال ، ولكن شارح المثنوي صاري عبد الله يقول في أثره المسمى (ثمرات الفؤاد) بأنه من أهل العرفان. والمنقول أنه ذهب إلى الأناضول ، ووصل إلى بروسة في عهد خداوندكار الغازي (السلطان مراد) وهو من أهل نصيبين ، ومن أبياته العشقية :

منصور كبي هپ جوشهكليرسويلرأنا الحق

هر عاشق صادق كه بوميخانهيهأوغرار (١)

وأورد صاحب عثمانلي مؤلفلري جملة من أشعاره الفارسية أيضا ، وأن (شاه نعمة الله ولي) بحث عن طريقته في كتابه «مناقب الواصلين» وأشار إلى أنه عارف بالحروف وفي كنه الأخبار إيضاحات دقيقة عنه. وهنا نشير أن محيي الدين ابن عربي في فتوحاته تكلم على الحروف وسماها «الحروف العاليات» ، وفيها يؤكد عقيدة هؤلاء .. وفي (بهترين أشعار) (٢) جملة من الأبيات والمقطوعات وأشعاره معروفة في مجاميع عديدة ...

ولا يهمنا أن نذكر كل ما قيل فيه من مدح وثناء من رجال التصوف أمثاله ، ونقول إذا كانت أقوال المرء دليل معرفته ، أو ظاهرة من

__________________

(١) يريد كل من طفح كيله ، ونالته الفيوضات ينادي «أنا الحق» كما نطق منصور الحلاج بذلك ، فكل عاشق صادق يؤم هذه الحانة ...

(٢) مجموعة فارسية تأليف ح. پژمان ، طبعت حديثا في إيران.

٥٥

ظواهر عقيدته وسلوكه فقد نطق بما أوجب قتله ... والاعتذار له ، أو انتحال التوجيه أمر غير صحيح. فإذا كانت حرية العقيدة مقررة فما هذا التكتم؟ وما هذا التخفي؟ ليجاهر كل بما عنده ، ليتبين الصواب من الخطأ ..! لأن المعرفة لا تستدعي القبول والتسليم .. ولا سبب لتخفي أمثال هؤلاء إلا ضعف الدليل ، وتحقق ظهور البطلان ، والخذلان التام من جهة أن عقيدتهم لا تقوى على مناقشة.

نعلم أن الإسلام جاء بالمجاهرة ، ولم يأت برموز وإشارات خفية ، ولغته واضحة خاطب العقول ، وأورد الأدلة ، وصرح على رؤوس الأشهاد بما لديه ... ومنذ أمد لم يحاسب أحد على عقيدة ، ولا على إلحاد ... ونرى العقيدة الحقة سائدة لم تتزعزع ، ولم يطرأ عليها خلل ، كان ولا يزال القرآن الكريم يبطل كل سر ، وهو ظاهر على الكل بنصوع حجته ...

نعت هؤلاء غيرهم بالجهال ، والمقلدة ، وأهل الرسوم ، وظنوا أنهم أدركوا الحقيقة .. فلم يتقنوا إلا سب العلماء ونبزهم ، والتهويل بما عندهم. فيود السامع أن يعرف ما عندهم ، ولكنه لا يلبث أن يرى هذه الأقوال فارغة ، يكررها المبتدعة في أكثر الأحيان ...

يقول هؤلاء بعبادة الأشخاص ، وتلخص مطالبهم العملية :

١ ـ في العشق ، بحيث ينسى المرء نفسه ، ويرددون ذكر ذلك ، ويبدون محاسن المحبوب ، ووصف خده وقده ، وسائر زينته من حاجب وزلف ، ومجالس شرب ، وتردد إلى الحانة ... فيعدون ذلك الموصل إلى الغرض ، فيتمرنون على التمتع بالملاذ ، فلا شأن لهم غير ذلك ، ولا هم لهم إلا أن تنجلي في المحبوب صفات الجمال ، فيعدونه (مظهر التجلي) أو (محل الظهور) ... ومن حاز هذه الأوصاف فهو المعبود عندهم ... منهمكون بالخمرة ، يعتبرونها روح الحياة فهم عبادها أو عشاقها ...

٥٦

والخيال يغلب على هؤلاء ، تلعب بلبهم الأهواء ، فلا يطربون لغير الملاهي ، ولا يرغبون لأمر سوى الأنس والتمتع بالملاذ ...

٢ ـ رفع التكاليف : تأمينا لهذه الرغبة ، وتطمينا للأهواء لقنوا فكرة رفع التكاليف ، يقولون نريد صفاء الباطن ، ويرتكبون الموبقات ، أو لا يبالون بها ، ويرون التكاليف عدوة للباطن بل يعتبرونها عثرة في سبيل الموبقات ... وكأن طهارة الباطن لا يتيسر الجمع بينها وبين الظاهر ، أو أن الشريعة إذا أمرت بالعمل الصالح تريد الظواهر ، ولا يودون أن يلتفتوا إلى آية (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) يقولون بتطهير القلب ولا يبالون بانتهاك الحرمات ...! فهم الإباحية حقا ، وقدوتهم خيام وأبو نواس ...

٣ ـ التأويل والتحريف : صرف هؤلاء معاني القرآن إلى مزاعم يقصدون بها إبطال أحكامه أو كما يقال رفع التكاليف ، فجاؤوا برموز حرفية ، أو معادلات جبرية ليستغنوا بها عن العلاقة باللغة ، والاتصال بالمعنى ، فلم يقولوا الفروض المشروعة ذلك ما دعا صاحب كشف الظنون أن يقول عن نسيمي (قتل بسيف الشرع) وسنعود للبحث عند الكلام على الآخرين منهم في العراق ...

حوادث سنة ٨٢٢ ه‍ ـ ١٤١٩ م

دوندي :

وهذه بنت السلطان حسين الجلايري ، كانت بارعة الجمال ، ذهبت إلى مصر مع عمها السلطان أحمد فتزوجها الملك الظاهر برقوق ، ثم فارقها فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن الشيخ علي بن أويس ، فلما مات السلطان أحمد أقيم شاه ولد مكانه ، فدبرت مملكته حتى قتل ، وأقيمت هي بعده في السلطنة ، فحاصرها محمد شاه بن قرا يوسف في بغداد لمدة سنة ، فخرجت في الدولة حتى صارت إلى واسط ، وملكت تستر ،

٥٧

وأقاموا معها محمود شاه بن شاه ولد ، فدبرت عليه أيضا فقتل ، لأنه كان ابن غيرها (١) ، واستقلت بالمملكة ...

وفي الغياثي أنه خلفه أخوه أويس سنة ٨٢٢ ه‍ ، وفي الجنابي سنة ٨١٩ ه‍.

أما دوندي فإنها في سنة ٨١٩ ه‍ قد استقلت ثم غلبت العرب بالبصرة ، وصار في ملكها الحويزة وواسط ، ويدعى لها على منابرها وتضرب السكة باسمها إلى أن ماتت في هذه السنة وقام بعدها ابنها أويس بن شاه ولد ، وتحارب هذا وأخاه محمدا (حاكم البصرة) مدة ثم سار إلى بغداد بعد شاه محمد بن قرا يوسف فقتل في الحرب بعد سبع سنين من ولايته (٢) ...

هذا. وعندنا التسمية بها معروفة إلى الآن في بغداد باسم (دندي) ...

وفيات

١ ـ ابن الكويك التكريتي :

في هذه السنة توفي شرف الدين أبو طاهر محمد بن عز الدين أبي اليمن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد المعروف ب (ابن الكويك) الربعي التكريتي ، ثم الاسكندري نزيل القاهرة الشافعي ، وقد قرأ عليه جماعة هناك ، وكان شيخا دينا ، ساكنا ... من بيت رياسة (٣).

__________________

(١) في تاريخ العراق ج ٢ أنه ابنها فجاء هنا ما يعلل الحادث ومثله في تاريخ الجنابي.

(٢) الضوء اللامع ج ١٢ ص ١٦ والدرر الكامنة ، والغياثي إلا أن النصوص الأخرى تزيد عما في الغياثي.

(٣) الشذرات ج ٧ ص ١٦٣.

٥٨

حوادث سنة ٨٢٣ ه‍ ـ ١٤٢٠ م

٦٥ شاه رخ ـ قرا يوسف (وفاته)

في هذه السنة قصد شاه رخ حرب الأمير قرا يوسف ، فلما سمع هذا وافى لملاقاته ، واستعد الفريقان للنضال ، وكان آنئذ الأمير قرا يوسف في أوجان. وفي يوم الخميس ٧ ذي القعدة وجد ميتا موتا عاديا ، شوهد مطروحا على الأرض ، ففر من كان معه ، وانتهب التركمان أمواله وخزائنه حتى لم يبقوا على جسده لباسا ... ولم يكن أحد من أولاده حاضرا ، ونهبوا خيمته وتركوه في العراء ، وبعضهم قطع أذنه لأخذ قرط فيها ... وبينا هو على هذه الحالة إذ جاءه الاختاجية (١) فنقلوه إلى أرجيش حيث دفن في مقبرة آبائه وأجداده (٢).

وفي جامع الدول :

«يحكى أن شاه رخ لما توجه إلى قرا يوسف أمر القراء فقرأوا سورة الفتح اثني عشر ألف مرة ، فتم الفتح بلا جدال ببركة القرآن العظيم ...» ا ه.

ومثل هذه الرواية في كلشن خلفا (٣).

وهذا غير مستبعد من عقلية القوم ، جعلوا القرآن العظيم (تعاويذ) و (طلسمات) أو (مجموعة رقى) وأبطلوا الغاية الأصلية منه وهي الإرشاد والهداية ، فأكسبوه شكلا ماديا. فإذا قال (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ظنوه طبيبا لأبدانهم ...!!

__________________

(١) لفظه اختاجي جغتائية يراد بها السايص أو العكام كما في لغتة جغتاي ص ٦.

(٢) لب التواريخ ص ٢١٣ ومثله في منتخب التواريخ ص ١٧٩.

(٣) ص ٥١ ـ ٢.

٥٩

ترجمة الأمير قرا يوسف :

مضى بعض ما قام به من الأعمال الحربية والسياسية .. وأهم ما فيها سعيه الحثيث لتوسيع نطاق سلطنته ، كان في نضال مع المجاورين ودخل في معارك وبيلة ... دامت مدة سلطنته نحو ١٤ سنة اعتبارا من تاريخ استيلائه على تبريز ، وتوفي عن عمر يناهز ٦٥ عاما ، وكان شجاعا موفقا في حروبه ، لم يجمع في خزانته مالا كبيرا فهو سخي يبذل ما لديه لأنه في أيام تأسيس دولته .. أعلن أولا سلطنة ابنه پير بوداق ، وهذا توفي قبله ، وله من الأولاد (الأمير اسكندر) ، و (ميرزا جهان شاه) ، و (الأمير شاه محمد) ، و (الأمير اسپان) ، و (الأمير أبو سعيد) ومن هؤلاء شاه محمد تخلصت له حكومة بغداد واستقل بإدارتها إلى أن هزمه أخوه الأمير أسپان (١).

وجاء في الأنباء عن المترجم بما نصه :

«كان في أول أمره من التركمان الرحالة ، فتنقلت به الأحوال إلى أن استولى بعد اللنك على عراق العرب والعجم ، وملك تبريز وبغداد وماردين وغيرها ، واتسعت مملكته حتى كان يركب في أربعين ألف نفس وكان نشأ مع والده ، وتغلب على الموصل ، ثم ملكها بعده. وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس ، وتزوج أحمد أخته ، وكان يكاتب صاحب مصر وأبوه ينجد أحمد بن أويس في مهماته ، ثم وقع بينهما (وهكذا مضى في ذكر وقائعه مما مر الكلام عليه إلى أن قال :) مات في ذي القعدة سنة ٨٢٣ ه‍ وقام من بعده ابنه اسكندر بتبريز ، واستمر محمد شاه ببغداد.

وكان قرا يوسف شديد الظلم ، قاسي القلب ، لا يتمسك بدين واشتهر عنه أن في عصمته أربعين امرأة ، وقد خربت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين ..» ا ه.

__________________

(١) لب التواريخ ص ٢١٤ ومنتخب التواريخ ص ١٨٠.

٦٠